آيت بوكماز.. صرخة عفوية وُلدت من رحم المعاناة

 آيت بوكماز.. صرخة عفوية وُلدت من رحم المعاناة
آخر ساعة
الجمعة 11 يوليو 2025 - 23:24

ما وقع في آيت بوكماز لم يكن مجرد مسيرة احتجاجية أخرى تنضاف إلى سجل الحركات الاجتماعية في المغرب، بل كان صرخة جماعية صادقة، خرجت من أعماق جبال أزيلال لتذكّرنا بأن مغرب الهامش لا يزال يرزح تحت وطأة التهميش، رغم عقود من الخطابات التنموية.

المئات من سكان الدواوير خرجوا، مشيًا على الأقدام أو على متن سيارات بسيطة، صوب مقر ولاية بني ملال-خنيفرة، يحملون أعلام الوطن ولافتات كُتبت عليها مطالبهم.

لم تكن مطالب خيالية، بل مطالب حياة أساسية: طبيب قار في المركز الصحي، طريق صالحة للمرور، تغطية للهاتف والأنترنيت، ملعب بسيط، مركز تكوين مهني، سدود تلية، ومدرسة جماعاتية.

مسيرتهم لم تكن فقط احتجاجًا، بل إعلانًا عن وعي بالحق في التنمية، وعن التمسك بالسلمية كخيار نضالي راقٍ.

ساكنة آيت بوكماز لم ترفع شعارات سياسية أو فئوية، بل رفعت صوتها الإنساني، مطالبة بما يعتبر في أماكن أخرى من هذا الوطن بديهيات: التطبيب، التنقل، التعلم، والكرامة.

لم تأت هذه الصرخة من فراغ، بل من معاناة متراكمة على مدى سنوات: طرق متهالكة، خدمات صحية منعدمة، شباب معزولون رقميا ومهنيا، وأطفال يتعلمون في ظروف بدائية.

كل هذا في منطقة توصف بأنها من بين أكثر مناطق المغرب عزلة، رغم ما تزخر به من إمكانيات طبيعية وسياحية.

اللافت أن هذه المطالب ليست جديدة، فهي تتكرر في كل مناسبة، وتُرفع كلما اشتدت الحاجة، والسؤال الذي يفرض نفسه: إلى متى ستظل هذه المناطق خارج أجندة التنمية الحقيقية؟ وهل يمكن لمغرب الغد أن يستمر في تجاهل مغرب الجبل، مغرب العمق، مغرب الناس الذين يدفعون ثمن الجغرافيا والسياسات المجحفة؟

لقد كانت الرسالة التي وجهتها آيت بوكماز رسالة مباشرة وواضحة إلى الدولة: لسنا مجرد أرقام في تقارير أو صور سياحية في الكتيبات، نحن بشر، نعيش هنا، ونريد أن نحيا بكرامة.

المسيرة حملت أيضًا تذكيرًا بما وعدت به الحكومات المتعاقبة، وهي الوعود التي ما زالت معلقة، تسكن فقط رفوف الوثائق الرسمية.

آيت بوكماز لم تطلب المستحيل. طلبت فقط ما يُفترض أن يكون حقًا لا امتيازًا. طلبت أن تنتمي بحق إلى وطن يوفر لمواطنيه الأساسيات.

ولعل هذه الصرخة تكون بداية تحرك فعلي يعيد التوازن إلى السياسات التنموية، ويجعل من المناطق الجبلية أولوية لا هامشًا.